بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
*****
قال تعالى:
{وقضى ربك ألاتعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، إما يبلغن عندك
الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما
قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب
ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
******
في زمن المادة وفي هذه الغابة التي يأكل القوي فيها الضعيف
تحتاج البشرية إلى من يذكرها بهذه المعاني، بعد أن جعلت
للمسن يوماً أسمته (اليوم العالمي لرعاية المسنين) وهو اليوم
الأول من تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام. ماذا قدمت الحضارة
المادية للمسنين من حقوق وتراحم وتعاطف؟ العناية بالحيوانات
تتفوق أحياناً على رعاية المسنين في تلك الحضارة- لاسيما
المرضى والعجزة منهم- انتهت صلاحيتهم ولم يعد لديهم
مايقدمونه لهذه الحضارة، لذلك أُهملوا ورُمي بهم في زوايا قديمة
بانتظار أن يأخذهم الموت، وهذا ماجعل النائب الديمقراطي
الأمريكي كلودبيير يقول: إن وضع المسنين في أمريكا عار وطني
مرعب، وذلك في معرض تعليقه على تقرير أعدته لجنة بمجلس
النواب الأمريكي بعد دراسة استمرت ست سنوات وجاء فيه: إن
أكثر من مليون مسن ومسنة تجاوزت أعمارهم (65) عاماً
يتعرضون لإساءات خطيرة، فيضربون ويعذبون عذاباً جسدياً
ونفسياً، وتسرق أموالهم من قبل أهلهم، كما أن هذه الإساءات
ليست مقتصرة على طبقة اجتماعية معينة، بل تحدث في كل
طبقات المجتمع على حد سواء، وفي المدن والقرى والأرياف.
ومن أبشع ما ورد في هذا التقرير أن امرأة قامت بتقييد أبيها
البالغ من العمر (81) عاماً بسلسلة وربطته في الحمام، وأخذت
تعذبه لعدة أيام!!!
أكد التقرير أن الإساءة للمسنين تأخذ عدة أشكال، منها الضرب
والإهمال والحرمان من الطعام والشراب والاغتصاب والقتل
أحياناً، ويعلق النائب كلودبيير قائلاً: لاأحد يدرك حتى الآن أبعاد
هذه المشكلة المرعبة. والحقيقة أنه لاأحد يريد الاعتراف بما
يجري، لقد تجاهلنا المشكلة لأنها مخيفة لدرجة تمنعنا من
الاعتراف بوجودها. ولم نكن نريد أن نصدق أن مثل هذه الأشياء
يمكن أن تحدث في دولة متحضرة.
وتضيف الدكتورة سوزان ستايتمتر أستاذة الدراسات العائلية
بجامعة دملاوير: اعتدنا طوال تاريخنا على الإساءة للمسنين،
ويمكن للمرء أن يجد حالات كثيرة في سجلات المحاكم في
القرنين السابع عشر والثامن عشر، إننا نميل إلى العنف البدني،
وقد أصبح هذا جزءاً ثابتاً من طبيعة عائلات كثيرة تسيء بالعنف
للمسنين، وأصبح إهمال المسنين وعدم الرفق بهم أو رعايتهم أو
حتى نجدتهم من الأمور الشائعة في المجتمعات الأوربية، إلى حد
أن بعضهم يعدهم من الأشياء المستهلكة في مجتمع يتجدد إنتاجه
كل صباح. وهذه حادثة تدل على ذلك: فقد دخل لصان منزل امرأة
عجوز في الثانية والثمانين من العمر من منطقة (ميدلس***)
ببريطانيا في ساعات الصباح الأولى، ولدى دخولهما المنزل
صرخت العجوز طالبة النجدة من نافذة منزلها حيث أبصرت رجلاً
يسير في الشارع وينظر إليها، إلا أنه اعتذر عن تقديم مساعدة
لها خشية تأخره عن موعد الحافلة!!!
في المقابل لم تعرف البشرية من صور الرحمة ماعرفته في ظل
الإسلام، وهي رحمة من فيض الرحمن يستظل بها كل الناس
والمسنون أولى الناس بها.
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من لايرحم
صغيرنا ويعرف حق كبيرنا». ومن خلال سيرة الرسول عليه
الصلاة والسلام عرف الصحابة والتابعون صوراً عظيمة في هذا
المجال، فقد روى البيهقي عن أنس قال: «من السنة أن توقر
العالم وذا الشيبة والسلطان والوالد، ومن الجفاء أن يدعو الرجل
والده باسمه».
وقد رغب الرسول عليه الصلاة والسلام بإكرام الشيوخ والإحسان
إليهم مبيناً أن الجزاء من جنس العمل، وإن طال الزمان، فعن
أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
«ماأكرم شاب شيخاً لسّنه إلا قيّض الله له من يكرمه عند سنه».
وإذا كان التوقير للكبير والإحسان إليه مطلوباً، فإنه أشد وجوباً
مع الوالدين، لأنهما كانا سبب وجود الابن في الحياة بعد الله،
ولاتقتصر الرعاية على الطعام والشراب واللباس، بل إنهما أشد
حاجة إلى الكلمة الطيبة واحترام الرأي وإشعارهما بأنهما لم يزالا
موضع نصح وإرشاد وتوجيه. قال الله تعالى: {واعبدوا الله
ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى
والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب
وابن السبيل وماملكت أيمانكم}. هذا هو ديننا وتلك هي
حضارتهم.
*****
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
*****
ارقــ تحيهــ